قنطرة الألمانية- من جسر للحوار إلى منصة لتبرير التحيز ضد المسلمين

المؤلف: إساد شيربيجوفيتش10.13.2025
قنطرة الألمانية- من جسر للحوار إلى منصة لتبرير التحيز ضد المسلمين

في شهر مارس من عام 2003، بادرت وزارة الخارجية الألمانية بإنشاء منصة رقمية تفاعلية تحت اسم "قنطرة"، وهي كلمة عربية فصيحة تعني "الجسر"، وذلك كرد فعل مباشر على الأحداث المأساوية التي وقعت في 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، وما أثارته تلك الهجمات من مشاعر معادية للمسلمين في أوساط المجتمعات الغربية. كان الهدف الأساسي والغاية النبيلة لهذه البوابة المستقلة، التي تدار بكفاءة عالية من قبل هيئة الإذاعة الألمانية المرموقة "دويتشه فيله"، هو مد جسور التواصل والتفاهم وتقريب وجهات النظر بين الثقافات الغربية والعالم الإسلامي الزاخر بالتنوع، وتوفير ساحة محايدة ومنصة حوار بنّاء بين مختلف الأديان.

لقد أبلت هذه البوابة، التي تنشر محتوياتها الثرية باللغات الإنجليزية والألمانية والعربية، بلاءً حسناً ونجاحاً باهراً على مدى أكثر من عقدين من الزمن، وذلك على ما يبدو دون أي تدخل أو توجيه تحريري مباشر من الحكومة الألمانية. ولكن هذا الوضع المثالي تغيّر بصورة ملحوظة عندما بدأت البوابة في نشر تحليلات ومقالات تنتقد النقاشات الألمانية الدائرة حول معاداة السامية في سياق الإبادة الجماعية المروعة في غزة. وفي مطلع هذا العام، تم الإعلان رسمياً عن إعادة هيكلة شاملة لمنصة "قنطرة" ونقل إدارتها بصورة جذرية من "دويتشه فيله" إلى معهد العلاقات الثقافية الخارجية (Institut für Auslandsbeziehungen – IFA)، وهو معهد مرموق يتبع مباشرة لوزارة الخارجية الفدرالية ويتلقى تمويلاً كاملاً منها.

وقد صرحت الوزارة بكل جرأة أن هذه الخطوة كانت "ببساطة" إجراءً هيكلياً بحتاً ولا علاقة لها إطلاقاً بالتوجهات التحريرية للموقع ومحتوياته المتنوعة. إلا أن وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، عارضت هذا الادّعاء بشدة، مشيرة في مقابلة صحفية إلى أن المخاوف العميقة بشأن المحتويات التي نشرتها "قنطرة"، ولا سيما تلك المتعلقة بمعاداة السامية، كانت عاملاً حاسماً ومؤثراً في اتخاذ هذا القرار المصيري.

وعقب هذا الإعلان المفاجئ، قام 35 عضواً من أعضاء هيئة تحرير "قنطرة" بنشر خطاب مفتوح وموجه مباشرة إلى الوزيرة بيربوك، يعربون فيه عن شكوكهم العميقة في قدرة معهد العلاقات الثقافية الخارجية على امتلاك الخبرات التحريرية الضرورية لاستمرار هذا المشروع المعقد بنجاح، وهو المشروع الذي تم بناؤه بعناية فائقة وجهد مضنٍ على مرّ السنين وأثبت أنه مصدر بالغ الأهمية لكل المهتمين بشؤون الشرق الأوسط وعلاقته المتشعبة مع أوروبا. ولكن هذا الخطاب لم يأتِ بأي نتيجة ملموسة، مما دفع جميع أعضاء التحرير إلى تقديم استقالاتهم الجماعية احتجاجًا على هذا القرار.

وفي الأول من شهر يوليو، تم نقل إدارة "قنطرة" رسمياً، والتي لم يعد لديها أي أعضاء في فريق التحرير، من "دويتشه فيله" إلى معهد العلاقات الثقافية الخارجية. وأفاد المعهد بأن البوابة ستظل تحت سيطرته التحريرية الكاملة حتى يتمكن رئيس التحرير الجديد، يانيس هاجمان، من تشكيل فريق تحرير جديد ومتكامل، ويبدأ العمل رسمياً في الأسابيع القادمة.

تمثل هذه الفترة الانتقالية الحساسة في تاريخ "قنطرة" فرصة فريدة من نوعها لمراقبة وتقييم الرؤى الحقيقية للحكومة الألمانية حول منطقة الشرق الأوسط وشعوبها الأصيلة، نظرًا لأن المسؤولين الحكوميين باتوا الآن يقومون بتحرير منصّة إعلامية تُعلن على الملأ أنها "جسر" ألمانيا إلى العالم الإسلامي المترامي الأطراف.

قبل هذا التغيير الجذري في الإدارة، كانت "قنطرة" تحظى باحترام واسع النطاق وتقدير كبير بسبب تقاريرها وتحليلاتها الموضوعية والعميقة والمتوازنة حول منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي الأوسع، سواء في ألمانيا أو في المنطقة نفسها.

ولكن لم يعد هذا هو الحال على الإطلاق. ففي الوقت الحالي، وتحت الإدارة التحريرية الجديدة التابعة لمعهد العلاقات الثقافية الخارجية، يبدو أن "قنطرة" تركز بشكل أساسي ليس على بدء حوار حقيقي وبنّاء بين مختلف الثقافات والأديان، بل على تأكيد التحيزات العميقة للحكومة الألمانية والأحكام المسبقة ضد المسلمين، وخاصة الفلسطينيين، وذلك من خلال نشر مقالات رأي سيئة التحرير وتفتقر إلى المصداقية.

وربما يكون أفضل مثال على الموقف التحريري الجديد لـ"قنطرة" – وبالتالي النظرة الحقيقية للحكومة الألمانية تجاه منطقة الشرق الأوسط وشعوبها – هو مقال رأي مثير للجدل بعنوان "الاتصال بالأزمات والشرق الأوسط: إعجاب ومشاركة"، والذي نُشر في 25 يوليو.

يتناول هذا المقال التحليلي، الذي كتبته الكاتبة المغربية الألمانية سناء المساري، تغطية وسائل الإعلام لحرب إسرائيل على غزة، ويصور الفلسطينيين كشعب عنيف ومعادٍ للسامية بطبيعته، وأنهم يكذبون بكل وقاحة بشأن معاناتهم وتاريخهم وثقافتهم ودوافعهم السياسية النبيلة بهدف تشويه سمعة إسرائيل وزعزعة استقرار الديمقراطيات الغربية الراسخة.

يذكر المقال بشكل قاطع وجازم، ودون تقديم أي دليل أو حجة مقنعة تدعم ادعاءاته، أن الصحفيين الفلسطينيين الذين يغطون الإبادة الجماعية المستمرة هم مجرد عملاء لحركة حماس، وأن الصور التي تُظهر الموت والمعاناة في غزة هي صور "مفبركة" ولا تمت للواقع بصلة، وأن الفلسطينيين يكرهون المحتلين الصهاينة لأرضهم فقط بسبب "معاداة السامية الإسلامية"، وأنه لا يوجد في الواقع مجاعة حقيقية في غزة، وأن وسائل الإعلام الدولية تتعمد عدم نشر صور "الأكشاك المليئة والبسطات المشوية" في القطاع.

يزعم المقال، على سبيل المثال، أن المجاعة في قطاع غزة، "وفقًا للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) المنشور حديثًا، لم تكن موجودة ولا توجد". وبالطبع، فإن التقرير المشار إليه في المقال يوضح بجلاء ووضوح لا لبس فيه: "بينما يصنف كل إقليم غزة في مرحلة الطوارئ (المرحلة 4)، ما يزال أكثر من 495,000 شخص (22٪ من السكان) يواجهون مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة 5 من IPC)." ويعرف التصنيف (IPC) المرحلة 5 في نشرته بأنها "مجاعة" ويقول إن هذا الترتيب يُعطى فقط لمنطقة عندما "يكون هناك على الأقل 20٪ من الأسر التي تواجه نقصًا حادًا للغاية في الغذاء، ويعاني 30٪ على الأقل من الأطفال من سوء تغذية حاد، ويموت شخصان لكل 10,000 يوميًا؛ بسبب الجوع المباشر أو بسبب التفاعل بين سوء التغذية والمرض".

ويبدو، وفقًا لـ"قنطرة" والمسؤولين الحكوميين الذين يسيطرون عليها حاليًا، أن المجاعة المؤكدة من قبل (IPC) ليست في الواقع مجاعة حقيقية عندما تحدث للفلسطينيين وتُسهّلها إسرائيل.

ولا تنتهي هذه التشويهات الفاضحة للحقائق عند هذا الحد. فالمقال يزعم أيضاً أن "معاداة السامية الإسلامية" كانت السبب الرئيسي في مقاومة المسلمين في فلسطين للسيطرة الصهيونية على أراضيهم. ويضيف المقال بكل وقاحة: "على عكس ألمانيا، لم يتصالح الشرق الأوسط نفسه أبدًا مع ماضيه النازي".

وهذه بالطبع كذبة أورويلية صريحة لا مكان لها في أي منشور صحفي جاد ومحترم. فما الذي يوحي بأن الشرق الأوسط يمتلك بالفعل "ماضيًا نازيًا" يحتاج للتصالح معه؟ بالطبع لا شيء على الإطلاق. فالنازية هي أيديولوجية غربية بحتة – وتحديدًا ألمانية – لا أساس لها أو صلة تربطها بمنطقة الشرق الأوسط والشعوب المسلمة التي تعيش فيها.

فالمسلمون في المنطقة لديهم تحيز ليس ضد اليهود واليهودية – التي وُلدت وتأسست في منطقة الشرق الأوسط وازدهرت تحت الحكم الإسلامي في مختلف البلدان عبر المنطقة لقرون طويلة – ولكن ضد الصهاينة الذين يحكمون إسرائيل، والذين يقتلون أحباءهم ويسرقون أراضيهم ويحبسونهم في أحياء محاطة بشدة لعقود متتالية.

ويقول المقال أيضاً: "تم استغلال القضية الفلسطينية لزعزعة استقرار الديمقراطيات الغربية".

ويبدو أن الكاتبة، مثلها مثل الحكومة الألمانية، منزعجة للغاية من أن الناس في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في ألمانيا نفسها، يعترضون بشدة على محاولة إسرائيل إبادة شعب بأكمله.

فهل حقاً استغلال "القضية الفلسطينية"، مهما كان المقصود بذلك، هو ما يزعزع استقرار الديمقراطيات الغربية؟ أم قد يكون الدفاع المستميت عن إبادة الفلسطينيين هو ما يزعزع استقرارها الحقيقي؟ فبعد كل شيء، فإن قتل الأبرياء بشكل جماعي – أو توفير غطاء مالي وقانوني ودبلوماسي للمجزرة – لا يتماشى بأي حال من الأحوال مع القيم المعلنة للديمقراطيات الغربية، مثل احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي.

وربما لهذا السبب يحاول المقال الإيحاء بأن الدمار الشامل الذي نشاهده جميعًا في غزة في الوقت الفعلي هو بطريقة ما "مفبرك" ولا يمت للواقع بصلة. فالحكومة الألمانية تحتاج بشدة إلى أن تكون هذه الصور مفبركة وغير حقيقية لتستمر في إقناع الناس بأن لديها التفوق الأخلاقي الذي يؤهلها للحكم على الآخرين.

وبهذا المقال الواحد، الذي نُشر تحت السيطرة التحريرية الكاملة لمعهد تابع لوزارة الخارجية، أحرقت الحكومة الألمانية "جسرها" الذي طالما تباهت به إلى العالم الإسلامي. إن بقاء هذا المقال المشين على منصة "قنطرة"، دون أي تصحيح أو توضيح – حتى لتصحيح الكذبة الصارخة "لا توجد مجاعة" – بعد رد فعل كبير وغاضب من جمهورها المستهدف المفترض، يشير بوضوح إلى أن ألمانيا فقدت كل اهتمامها ببدء حوار حقيقي مع العالم الإسلامي. ويبدو أنها ترغب في أن تتخلى المنصة عن كل معايير النزاهة الصحفية، وتنشر محتويات تدعم – بأي ثمن كان – السياسة الخارجية للحكومة الألمانية.

لماذا يحدث هذا؟

يبدو أنه منذ بداية الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة قبل عشرة أشهر مضت، لم تعد آراء وأفكار وتطلعات العالم الإسلامي، والعالم الجنوبي الأوسع، تهم الحكومة الألمانية على الإطلاق. فهي لم تعد مهتمة بأي حوار أو نقاش بناء، بل ترغب فقط في الاستمرار في سياستها الخارجية الحالية تجاه المنطقة، والتي تهتم بشيء واحد فقط: تخليص نفسها من عبء الهولوكوست في أعين الأمم الغربية الأخرى من خلال الدفاع عن إسرائيل دون قيد أو شرط، وتصوير من يقاومون الإساءة الإسرائيلية على أنهم نازيون معاصرون. وهكذا، تصف الفلسطينيين، وبالتبعية جميع المسلمين الذين يدافعون عنهم، بأنهم "نازيون".

وقال رئيس التحرير الجديد لمنصة "قنطرة"، يانيس هاجمان، في مقابلة صحفية حديثة، إنه هو وفريقه، بمجرد أن يبدؤوا العمل رسمياً، لن يسمحوا لأنفسهم "بالتدخل في المحتوى، لا من قبل معهد العلاقات الثقافية الخارجية ولا من وزارة الخارجية".

وقال إنه كان "منزعجًا" للغاية من مقال سناء المساري وأنه "لم يكن ليظهر المقال بهذا الشكل تحت إدارة فريق قنطرة الجديد".

ربما سيثبت هاجمان صحة كلامه، وربما سنشهد عودة لـ"قنطرة" القديمة بمجرد أن يتولى الفريق الجديد السيطرة الكاملة، حيث لن تجد مقالات مثل مقال المساري مكاناً لها على الصفحة الرئيسية. ومع ذلك، فبمجرد حرق جسر، يستغرق الأمر وقتاً وجهداً كبيرين لإعادة بنائه من جديد. فالمنصة الآن تواجه معركة شاقة لإثبات أنها أكثر من مجرد أداة دعائية حكومية بحتة.

ومهما كان ما سيحدث في المستقبل القريب، فقد علمتنا هذه الفترة الانتقالية الدقيقة في تاريخ "قنطرة"، ومقال المساري المثير للجدل، الكثير عن الحكومة الألمانية ونهجها المتصلب تجاه منطقة الشرق الأوسط.

فقد أظهرت لنا بوضوح أن الحكومة الألمانية ترى إسرائيل ككيان صائب وأخلاقي حتى عندما ترتكب إبادة جماعية مروعة، والمسلمين كمجموعات معادية للسامية وبسيطة ولكنها متلاعبة تسعى جاهدة لزعزعة استقرار الديمقراطيات الغربية الراسخة.

وهذه المعلومات، على الرغم من أنها مزعجة ومثيرة للقلق، تعد معلومات قيمة للغاية إذا كنا نرغب في فهم ومواجهة رد الفعل الألماني تجاه الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل في غزة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة